الإحساس بالذنب وتقدير الذات في التحليل النفسي | رحلة فهم الجذور النفسية لجروح الطفولة

الإحساس بالذنب وتقدير الذات في التحليل النفسي | رحلة فهم الجذور النفسية لجروح الطفولة

بقلم: د. نازلي فريد – استشاري صحة نفسية ومعالج أسري

يعتمد التحليل النفسي على ما تم تسجيله في الطفولة داخل العقل الباطن. فكل ما تعرضنا له من مواقف أدى إلى تخزين مشاعر ممزوجة من الحزن والغضب والخوف، يترتب عليها عند النضج مجموعة من السلوكيات.

جرت العادة أن نقوم بتسمية هذه السلوكيات بعبارات مثل: “هذا طبعي”، “هذه شخصيتي”، “لقد تعودت على ذلك”... فعندما يتدخل علم النفس (معرفة الشخص بذاته الحقيقية) تسقط أقنعة العقل الباطن وتظهر لنا حقيقة ما نشعر به.

الغضب – على سبيل المثال – قد يؤدي إلى تلقيب الشخص بأنه “عصبي”، وقد يقتنع الشخص نفسه بذلك لفترات طويلة. إلا أن رحلة البحث عن جذور هذا الغضب تؤدي إلى تناقصه أو تقنينه أو التحكم فيه.

مفاتيح النفس البشرية كامنة في العقل الباطن، وهناك مفتاحان أساسيان يتم التركيز عليهما في رحلة علاج جروح الطفولة، ألا وهما: الإحساس بالذنب وتقدير الذات.

يقضي الإنسان في بطن الأم من سبعة إلى تسعة أشهر في ظروف رائعة، وبعد صدمة الانفصال لحظة الولادة تبدأ رحلة المعاناة: عندما أجوع أبكي، عندما تبتعد أمي أبكي...

وعندما تبدأ رحلة التعلم والتربية، يحاول الأب والأم جاهدين أن يعلّما الطفل كل ما هو صحيح وصحي ومفيد ومقبول دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا. ونجد أنفسنا أمام اختيارات بين الصح والخطأ، الحلال والحرام، النجاح والفشل، القوة والضعف... نحن بشر خطاؤون بطبيعتنا، ولذلك يبدأ الشعور بالذنب عندما نخطئ ونعاقب، فيتملكنا الإحساس بالذنب.

قد تكون في أوقات عديدة التربية قائمة على التقويم أكثر من التشجيع، ولذلك لا نجد ما يكفينا ويُشبعنا من المكافآت والإعجاب بما نفعل، ويؤدي ذلك حتمًا إلى ضعف تقديرنا لذواتنا. وكلما زاد إحساسنا بالذنب، قلّ تقديرنا لذاتنا.

كثيرًا ما يتم الخلط بين تقدير الذات والغرور أو الأنانية، وكثيرًا أيضًا ما يُخلط بين الشعور بالذنب وصحوة الضمير.

عندما يكون الشعور بالذنب مبالغًا فيه (شخص دائم جلد الذات، دائم محاسبة نفسه أولًا، دائم خلق الأعذار للآخرين...) تكون النتائج مدمّرة للشخص، ومتسببة في إحساسه بالدونية وأنه ليس بكفء. التحليل النفسي يبحث في العقل اللاواعي عن جذور هذا الشعور المفرط بالذنب لعلاجها.

من أقوى المشاهد السينمائية التي تتناول هذا الارتباط الوثيق بين زيادة الشعور بالذنب والنقص في تقدير الذات، ورد في فيلم “غود ويل هانتنغ” (Good Will Hunting)، وهو فيلم درامي أمريكي صدر عام 1997 من إخراج غاس فان سانت وبطولة مات ديمون وبن أفليك وروبن ويليامز.

في الوقت الذي كان فيه الطلاب العاديون يدرسون داخل الفصل، كان هو – الأكثر عبقرية – يمسح الأرضية في الخارج. هكذا هي الحياة إذن، لا تعطي الفرص دائمًا. وكلمة روبن ويليامز في أحد المشاهد تلخص الأمر حينما قال لـ“ويل”: «إنه ليس خطأك».

محور الفيلم إذن هو لقاء بين معجزة تبلغ من العمر عشرين سنة، ومعالج نفسي يمر بأزمة منتصف العمر. لكنه أيضًا توجه فلسفي بُني على أفكار الفيلسوف الوجودي الألماني مارتن بوبر، الذي اعتبر الحوار شكلًا من أشكال الوجود الإنساني، وتجسيدًا لما يتطلبه التحرر من المخاوف المقيدة واتخاذ الخطوة الأولى التي تؤدي إلى أعماق الوعي وتزيل الغشاوة عن الأعين.

إشارة مرجعية: مقتبس جزئيًا من مقال نقدي حول الفيلم.

الإحساس بالذنب وتقدير الذات في التحليل النفسي | رحلة فهم الجذور النفسية لجروح الطفولة