كيف يؤثر العقل اللاواعي على مشاعرنا وقراراتنا؟ فهم أعمق للنفس البشرية

 

تأثير العقل اللاواعي على المشاعر والأفكار

بقلم: د / خالد ديبي – استشاري صحة نفسية وإرشاد أسري

في الأوقات التي تمتلئ فيها نفسك بالأسئلة الصعبة والاستفسارات المقلقة عنك وعن غيرك، وعن أفعال من حولك وردود أفعالهم، ثم لا تجد لها إجابة تشفيك ولا كلمات تهديك، ولا فراغ عند غيرك لتفضي إليه… يخرج العقل الباطني في تلك اللحظات من قمقمه، ليتسلم زمام الأمور لديك.

تبدأ في التيه في بحور من الظلمات حين لا يفهم عندئذ إلا لغة مشاعرك المشوهة وحواراتك الداخلية المتقاطعة المزعجة. فيترجم القلق الذي بداخلك إلى سلسلة من المخاوف، وطيف من المعتقدات، يبثها لك في أشكال ومشاهد وصور لما تخافه ولا ترغب فيه أو ما تتجنبه وتخشاه. قد تكون رسائل ظلم، أو حزن، أو ألم، أو استهجان، وربما صورًا مخيفة أو استدعاءً من الماضي والمستقبل ليستعرضا على خشبة مسرح الحاضر وقائع ليست في الحسبان.

حينما تعجز عن فهم نفسك أو إيجاد من يفهمها، من يحللها ويهديك إلى عيوبك، ويفتح النور في زواياك، يدافع العقل اللاواعي عنك بهذه الطريقة. فتركب معه في سرج التهويل والتضخيم والتأويل، حين تختلط عليك خيوط الواقع بالوهم، ويتشابه عليك ما هو ضار بما هو نافع، فتتوه في حدائق القلق والزحام.

عندما لا تجد طريقًا يقودك إلى الضياء، ترزح تحت وطأة أفكار ينبشها العقل اللاواعي، دافعها الخوف والقلق، وطابعها الذعر والهلع، ورافدها الكآبة والملل، وفاقدها النصح والأمل. فإذا تركت العقل اللاواعي يسيطر عليك، فإنه يتخطى الوعي والواقع والشواهد، ويهيم بك في أعراض نفسية وأمراض واضطرابات ظلامية، تستدعي معالجتها بتحليلها وفرزها وإثبات صلتها بالحقيقة من عدمها، لتحويلها إلى أفكار ذات جدوى، تسوق مشاعرها جنبًا إلى جنب مع سلوك يفتح لك دروبًا من السلام النفسي بينك وبين الناس والحياة وأحداثها. حينها تجد الراحة، والثقة، والسعادة، متجاوزًا بذلك عثرة كانت على شفا حفرة من عالم وهمي بعيد وقبيح.

لا يمكن أن تكون أنت دائمًا على حق، وكذلك لا يمكن أن تكون مخطئًا على الدوام، ولكن هناك طريق ثالث بين هذا وذاك، تفرضه المعرفة الحقة والتحليل الممنهج والإدراك السليم لخفايا النفس البشرية في رحلتها لفهم ذاتها، والوصول إلى نضوج أفكارها وصفاء مشاعرها واستقامة سلوكها، بما يتماشى مع حقيقة النفس وواقع الحال وتناسب الأفعال وردودها. حينها تتصالح مع مشكلاتها ونواقصها، وتسعى جاهدة لجعل يومها أفضل من الأمس وغدها أجمل من اليوم.

كيف يؤثر العقل اللاواعي على مشاعرنا وقراراتنا؟ فهم أعمق للنفس البشرية